
أغشوركيت ( آراء ) : بسم الله الرحمن الرحيم
مشاركة تحليلية حول ضرورة تعزيز الجبه الداخلية امام مخاطر التجاذبات العالمية وتردي الاوضاع في دول الساحل واحتمال تأثيرها على الوضع الداخلي الموريتاني المتحول .
ا - تشخيص التصدع الداخلي في موريتانيا: مكامن الخلل وبؤر الوهن الوطني
إن بناء جبهة داخلية قوية مهتمة بأستقرار ووحدة الوطن وحمايته شرطٌ أساسي لصيانة السلم الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة، غير أن الواقع الموريتاني يشهد اختلالات عميقة تُهدد التماسك الوطني وتُضعف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، مما يفتح الباب أمام التمزق الاجتماعي والسياسي. وفيما يلي جردٌ لأهم هذه العوامل البنيوية
1. غياب التنمية المحلية المتوازنة
يشكل التفاوت الكبير في توزيع المشاريع التنموية والخدمات العمومية بين المركز والهامش أحد أبرز مظاهر الإقصاء والتهميش. حيث تظل مناطق بكاملها خارج نطاق الاهتمام الرسمي، ما يُكرّس الانقسام الجغرافي ويضعف الإحساس بالانتماء لدى فئات واسعة من السكان.
2. فشل المنظومة التعليمية
تعاني المنظومة التعليمية من انهيار شامل على مستوى البنية التحتية والمضامين التربوية، فضلاً عن غياب رؤية إصلاحية جادة. وقد أدى هذا الواقع إلى إنتاج أجيال غير مؤهلة، وإلى اتساع الفجوة بين التعليم وسوق العمل، مما زاد من معدلات البطالة والتسرب الدراسي.
بين المكونات الوطنية .
ان عدم تعميم التعلم باللغة الرسمية العربية على كل أبناء الوطن والعمل بها في كل مفاصيل الدولة وعدم ادخال اللغات الوطنية الأخرى في كل اسلاك التعليم ومواصلة هينمة الفرنسية كأدات للتواصل بين المكونات الوطنية يضعف من التفاهم واللحمة الوطنية.
3. الحرمان والتهميش الاجتماعي
تعيش قطاعات كبيرة من المواطنين في ظروف مزرية، نتيجة الإقصاء الاجتماعي والحرمان من أبسط الحقوق الأساسية، كالخدمات الصحية، والسكن اللائق، والماء، والكهرباء، مما أدى إلى شعور عميق بالغربة داخل الوطن.
4. استشراء الفساد والثراء الفاحش
تُهيمن على المشهد مظاهر ثراء فجّ، ناتجة عن استغلال الوظيفة العمومية ومقدرات الدولة، في ظل غياب آليات فعالة للرقابة والمحاسبة. هذا الواقع يعمّق فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع ويغذي الاحتقان الشعبي.
5. الغش السياسي وشراء الذمم
تعاني الحياة السياسية من مظاهر انحدار خطيرة، تتمثل في التزوير، وشراء الولاءات، واستغلال النفوذ، مما أفرغ الممارسة الديمقراطية من مضمونها، وأدى إلى تنفير المواطنين من العمل السياسي.
6. غياب العدالة واستقلال القضاء
يشعر المواطنون بغياب المساواة أمام القانون، نتيجة لتدخل السلطة التنفيذية في القضاء، وتوظيفه لخدمة مصالح ضيقة. وهو ما يعمق الشعور بالظلم ويدفع إلى اللجوء إلى آليات غير قانونية للتحصيل والردع.
7. انعدام العدالة في توزيع الثروة الوطنية
يعاني الاقتصاد الوطني من اختلالات بنيوية تجعل توزيع الثروة منحازًا لفئات معينة، مما يولّد مشاعر الاستياء لدى الفئات المستبعدة، ويهدد التماسك الوطني.
8. الزبونية والنفاق السياسي
تُسند المناصب والمسؤوليات على أسس الولاء لا الكفاءة، ويتصدر المشهد السياسي أشخاص يفتقرون للرؤية والمصداقية، مما أدى إلى انتشار التملق والتلميع الإعلامي المزيّف بدل الفعل الجاد.
9. الترهيب والترغيب في ضبط الحياة العامة
تعتمد السلطة، في الكثير من الأحيان، على أساليب الترهيب أو الإغراء المادي لاحتواء المعارضة أو تفكيك المبادرات المستقلة، مما يخلق مناخًا خانقًا يحدّ من حرية التعبير والعمل الجماعي.
10. تفكيك الأحزاب والنقابات وتمييع المجتمع المدني
يتم التعامل مع الهيئات الحزبية والنقابية والمدنية بأسلوب الهيمنة أو الاحتواء أو التمييع، ما أضعف من دورها الرقابي والتأطيري، وحوّل العديد منها إلى واجهات شكلية بلا تأثير حقيقي.
11. ضعف جودة الخدمات العمومية
تتسم معظم الخدمات المقدّمة للمواطنين بالرداءة والبطء والتعقيد، سواء تعلق الأمر بالصحة، أو التعليم، أو العدالة، أو الإدارة، مما يزيد من معاناة المواطن اليومية ويفقده ثقته في الدولة.
12. ضعف روح المواطنة
تشير المؤشرات إلى تراجع الشعور بالانتماء الوطني، سواء في سلوك المواطن العادي أو المسؤول أو حتى النخب، نتيجة لغياب القدوة، وغياب ثقافة الحقوق والواجبات.
13. انعدام الشفافية وتغييب دولة القانون
تغيب الشفافية في التسيير المالي والإداري، كما يغيب مبدأ تكافؤ الفرص، وتُستغل القوانين لردع الخصوم دون أن تشمل الجميع، مما يؤسس لثقافة الإفلات من العقاب.
14. تفشي الفقر والبطالة
أدت السياسات الاقتصادية الفاشلة إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، خصوصًا بين الشباب، مع انسداد آفاق التشغيل، وهو ما يشكل بيئة خصبة لليأس والتطرّف والهجرة.
15. تضخم الجهاز الإداري والوظائف الوهمية
تُوظف الآلاف من الأشخاص دون مهام واضحة، في حين تفتقر الدولة إلى كفاءات حقيقية. ويُسند العمل في الغالب لمن يفتقر إلى الخبرة والتأهيل.
16. غياب آليات اكتتاب وترقية شفافة
يعاني الموظفون من انعدام المعايير المهنية في الترقية والتكليف، ما يؤدي إلى الإحباط، ويُشجّع على الهروب من الوظيفة العامة نحو مسارات غير مضمونة.
17. الاستثمار في مشاريع وهمية ورديئة التنفيذ
تُصرف الأموال الطائلة على مشاريع غير منتجة أو تافهة، أو تفتقر للمتابعة والرقابة الصارمة، مما يؤدي إلى هدر المال العام دون أثر ملموس.
18. الهجرة والتفكك الأسري
أدت الأزمات الاجتماعية والاقتصادية إلى موجات هجرة واسعة، داخلية وخارجية، أثرت على النسيج الأسري، وعمقت مشاعر العزلة والتمزق داخل المجتمع.
19. تنامي الانقسامات الفئوية والعنصرية
تعرف البلاد تناميًا في الخطابات العنصرية والفئوية، ما يهدد وحدة المجتمع، ويغذي النظرة الدونية والتهميش المتبادل بين مكونات المجتمع.
20. التباين الطبقي والغلاء المعيشي
تتسع الهوة بين الطبقات الاجتماعية، ويتعمّق الإحساس باللاعدالة، في ظل ارتفاع الأسعار وتدني الأجور، ما يجعل الحياة اليومية أكثر صعوبة بالنسبة للفئات الوسطى والفقيرة.
ب - طبقا لهذا التشخيص و في ظل التحديات المتراكمة التي تواجه موريتانيا، أصبح من الضروري العمل على تقوية الجبهة الداخلية من خلال إصلاحات عميقة وشاملة تعيد الثقة بين الدولة والمجتمع، وتضع البلاد على سكة التنمية المستدامة. ويقترح هذا التوجه جملة من الحلول العملية والهيكلية، لمعالجة أسباب التصدع والخلل البنيوي.
1. تفعيل التنمية المحلية الشاملة
• اعتماد مقاربة لامركزية حقيقية تعزز من صلاحيات المجالس الجهوية والبلديات.
• توجيه الاستثمارات نحو الأرياف والمناطق المهمشة، بما يخدم تثبيت السكان في مواطنهم الأصلية.
• بناء بنية تحتية متكاملة تشمل الصحة، التعليم، الطرق، والماء، لضمان العدالة المجالية.
• تعزيز العدالة في توزيع المشاريع التنموية وتحفيز الإنتاج المحلي.
• دعم التشغيل الذاتي والتعاونيات القروية لتقليص البطالة والفقر والهجرة.
الأثر المتوقع: تقليص معدلات النزوح، رفع مستوى الدخل، تعزيز الاستقرار الاجتماعي، وتقوية الشعور بالانتماء.
2. مكافحة الفساد وترسيخ ثقافة النزاهة
• تحيين وتطبيق صارم للقوانين المتعلقة بالشفافية والرقابة والمساءلة.
• تفعيل مؤسسات الرقابة (محكمة الحسابات، المفتشية العامة للدولة، لجنة الشفافية…) ومنحها استقلالية حقيقية.
• إلزام المسؤولين بالتصريح بالممتلكات ونشر التقارير المالية الدورية.
• تعزيز دور الإعلام والمجتمع المدني في رصد الفساد وفضحه.
• تجريم الكسب غير المشروع وتفعيل آليات استرجاع الأموال المنهوبة.
الأثر المتوقع: تجفيف منابع الفساد، استعادة ثقة المواطنين، وتحسين صورة الدولة.
3. التوزيع العادل للثروة والإصلاح الإداري
• اعتماد معايير شفافة لتوزيع الميزانيات بين الجهات والقطاعات.
• ترسيخ الحوكمة الرشيدة في التسيير المالي، والحد من التبذير والإنفاق غير المنتج.
• فصل السلطات وضمان استقلالية القضاء والبرلمان والإعلام.
• إعادة هيكلة الجهاز الإداري ودمج المصالح المتداخلة للقضاء على الازدواجية.
• تفعيل مبدأ “المسؤولية مقابل الأداء” في تقييم الموظفين العموميين.
الأثر المتوقع: تحقيق العدالة الاقتصادية، عقلنة التسيير، وإنهاء الفوارق الجهوية.
4. الاستخدام الأمثل للموارد البشرية
• تنظيم مسابقات اكتتاب شفافة تعتمد الكفاءة لا الولاء.
• تعيين الموظفين في مجالات تخصصهم وتكليفهم بمهام واضحة.
• توسيع برامج التكوين المستمر والتأهيل المهني وربطها بالتحفيز الوظيفي.
• مراجعة شبكات الرواتب بما يتماشى مع غلاء المعيشة ومتطلبات العيش الكريم.
• محاربة الوظائف الوهمية وتفعيل النظام الرقمي في تتبع أداء الموظفين.
الأثر المتوقع: رفع جودة الخدمات العمومية، وتحفيز الكفاءات، وترشيد الإنفاق العمومي.
5. إصلاح التعليم: مدخل لبناء المستقبل
• ربط التعليم بمخرجات سوق العمل وتطوير التعليم التقني والمهني.
• معالجة التسرب المدرسي عبر تحفيز العائلات الفقيرة وبرامج التغذية المدرسية.
• تعميم استخدام التكنولوجيا الحديثة في التعليم وتدريب المدرسين عليها.
• تحديث المناهج وتضمينها قيم المواطنة، والعدالة، والتعايش.
• تعزيز التكافؤ بين التعليم العمومي والخصوصي.
تعميم التعلم باللغة العربية في كل اسلاك التعليم والعمل بها في كل أجهزة الدولة وادخال اللغات الوطنية في التعليم العام والادارة والقضاء مع احترام التنوع الثقافي وتطويره والاعتزاز به كعامل اثراء .
الأثر المتوقع: خلق جيل منتج، وتخفيض البطالة، وتعزيز التماسك الاجتماعي.
6. الإصلاح السياسي والمؤسسي
أ) تنشيط الحياة السياسية والمدنية
• الكف عن التضييق على الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.
• إشراك هذه الهيئات في إعداد السياسات العمومية ومراقبة تنفيذها.
• تعزيز ثقافة الحوار والتعددية وتقبل الاختلاف السياسي.
ب) احترام الحريات والحقوق
• ضمان الحريات الفردية والجماعية ضمن احترام الثوابت الوطنية.
• كفالة الحق في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي.
ج) ضمان نزاهة الانتخابات
• إعداد لوائح انتخابية دقيقة ومحدثة.
• منع التزوير، وشراء الذمم، واستعمال المال العام والنفوذ.
• ضمان حياد الإدارة واستقلال القضاء في الفصل في المنازعات.
• منع تدخل المؤسسة العسكرية والأمنية في الشأن السياسي.
• تكريس حرية الترشح والمشاركة السياسية دون تمييز أو إقصاء.
د) إنهاء الزبونية والتمييز في الخدمات
• اعتماد معايير موضوعية في منح الخدمات العامة، الصفقات، والفرص العقارية.
• التسريع في إنجاز البنية التحتية الأساسية وخاصة في الأحياء الشعبية والقرى المعزولة.
• ضمان الولوج إلى الملكية العقارية في الحضر والريف لكل المواطنين دون تمييز.
الأثر المتوقع: إحياء الحياة السياسية، تعزيز الشرعية، وترسيخ دولة المواطنة والمؤسسات.
7. تعزيز العدالة وسيادة القانون
• استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية.
• تفعيل القضاء الإداري والمالي والجنائي.
• محاسبة المسؤولين عن التجاوزات أيا كانت مكانتهم.
• نشر الثقافة القانونية بين المواطنين وتبسيط النفاذ إلى العدالة.
الأثر المتوقع: إنصاف المظلومين، ردع المعتدين، وتقوية هيبة الدولة.
8. معالجة التفاوتات الاجتماعية والفئوية
• اعتماد سياسات إيجابية (Discrimination positive) لصالح الفئات والجهات الأقل حظًا.
• تعزيز ثقافة المواطنة الجامعة والتعايش بين مكونات الشعب.
• مواجهة خطابات الكراهية والعنصرية عبر الإعلام والتعليم والقانون.
9. دعم الأسرة ومواجهة الهجرة
• تقديم برامج دعم موجهة للأسر الهشة (سكن، غذاء، نقل، صحة).
• خلق فرص اقتصادية محلية للحد من الهجرة القسرية.
• تبني سياسة وطنية شاملة للهجرة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.